لم يحضر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في اجتماعه الطويل مع موفد الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين، أيّ من مساعديه. كان اللقاء الأهم، لأنّ بري هو القائد وصاحب القرار كما عبر هوكشتاين، نافخاً في قامة الرئيس بري ثقة أميركية بالمفاوض وصاحب القرار، والخبير بالوصول الى تسويات عبر التفاوض.
سبق للرئيس بري أن قاد عملية التفاوض حول الترسيم البحري، بكل ما تخللها من مناورات. قبل توقيع الاتفاق النهائي، أرسل «حزب الله» ثلاث مسيرات، انطلقت من مكان معروف لإسرائيل، وسلكت فوق البحر، ووصلت الى منشآت كاريش، وكان ذلك إيذاناً ببدء توقيع الاتفاق، بعد أن نال «الحزب» شرف فرض الاتفاق بقوة المسيرات، التي وصلت كاريش ويا للغرابة، من دون أن تتمكن إسرائيل من رصدها وإسقاطها قبل الوصول.
كانت مناورة المسيرات والتهديد الذي تلاها، إحدى وسائل تسريع الاتفاق على الترسيم البحري، الذي رعاه هوكشتاين، بالتكافل والتضامن مع الرئيس نبيه بري، أما الرئيس عون فقد أعطِي شرف أبوة الترسيم، وفخامة التوقيع.
يحضّر الموفد الأميركي بالتعاون مع الرئيس نبيه بري، لسيناريو مشابه. المطلوب أن يعطيه «حزب الله» ورقة قوية، كي يلجم نية اسرائيل بتوسيع المواجهة العسكرية، وفي المقابل هو جاهز للتعويض على «الحزب»، بورقة تستكمل الترسيم البحري بترسيم بري، يكون الغطاء لترتيبات الانسحاب، مع استعداد للقبول بتفريغ الـ1701 من نصه الحرفي، المتعلق بتجريد جنوب الليطاني من السلاح والقواعد المسلحة، عبر اللجوء الى صيغة الانسحاب المموهة الى مسافة 10 كلم.
أودع هوكشتاين بري حصراً سر التفاوض وتفاصيله، أما لقاءاته الأخرى فلم تكن أكثر من مجرد استكمال لديكور الزيارة السريعة، ومنها اللقاء مع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي أوكل دوره كرئيس للحكومة، الى رئيس مجلس النواب، لدواعٍ واقعية متصلة بقصر ذات اليد، في ممارسة ما يفترض أن يمارسه شاغل السراي.
بري بالنسبة للأميركيين، هو الأكفأ والأوثق للتفاوض مع «حزب الله»، وهذه القناة التفاوضية سيتم عبرها البدء بمفاوضات حول الترتيبات المطلوب سريانها في الجنوب، فور سريان الهدنة المفترضة في غزة.
هذا السيناريو سيوضع موضع التنفيذ، إذا ما نجحت الإدارة الأميركية في فرض الهدنة في القطاع، لكن في حال الإخفاق فستصبح مهمة هوكشتاين اللبنانية في خطر، لا سيما وأنّ إسرائيل مصممة على عدم الخضوع لمسار يفرضه «حزب الله»، ليس فقط بالنسبة لإطلاق الرصاصة الأولى، ووقف إطلاق النار، بل بالنسبة للترتيبات التي حاول هوكشتاين تجاوزها، بما يؤشر إلى أن الأولوية الأميركية هي منع تمدد الحرب إلى لبنان، ولو على حساب الاعتبارات الاسرائيلية التي استجدت بعد عملية «طوفان الأقصى».
المصدر: نداء الوطن